رد على مقال »البيظان و النظام و ايرا

لست ممن يعشق الجدال و الخصام بل أبغضهما سيما إذا تعلق الأمر برفاق الأمس أو رفاق الرفاق فما كنت أرغب في الرد على الأستاذ محمد فال ولد سيدي ميل في ما أطل به علينا خاصة بعد الرد الشافي و الكافي لأخي و أستاذي براهيم ولد بلال الذي استسمحه هنا و التمس منه الصفح، لكن الجرح كان بليغا و لم يندمل بعد، ولم يعد السكوت حكمة و لا الحكمة سكوتا بعد ما سال به قلم رفيق الأمس في حقنا. سأعيد الفحص و العلاج من زاوية أخرى لما كتب الرجل و اطرح تساؤلات و استفسارات لربما تساعد الآخر أيا كان و حيثما كان على فهم ما يجري و استنباط وجه الصواب و
مكمن الداء.
لماذا اختار أخونا محمد فال هذا الوقت بالذات لإخراج ما بجعبته من ما يخالها سيئات برام و حركة ايرا؟
ألم يكن الأولى تمديد حلقات الانتظار هذه حتى يفرج عن صديقي و رفيقي الأمس بدل طعنهما في الخلف أم أن حاجة ما أو أمرا ما قد قهرا الرجل فأفرغ حمولته دون سابق إنذار! ؟
كيف يعقل لشخص متحرر في مقامه أن يقبل مصادرة حقه في التعبير عن فكره و رأيته لقضايا يظنها بهذا الحجم و الحساسية حين كان في بيت الحركة أم أن السياق ليس ذاته و لا ينسجم و روح و تربية المدرسة الانعتاقية؟
أين التحرر و الفكر الانعتاقي المعاصر من محرقة كتب النخاسة التي كانت فرصة للانسلاخ من المنظومة الحجرية الظلامية المتخلفة؟

القول إن ايرا عاشت في لحظة ما بارقة أمل لكن هذا الأمل تلاشى و تشبيهها بطائرة الوالي فذلك شيء يكذبه منطق الحال، و قراءة إحداثيات الميدان ترد بما يكفي على هذا الوصف الجائر الجارح لآلاف المناضلين و المناضلات الشجعان الصامدين الذين تتنامى فيهم روح و ثوابت الفكر الانعتاقي السليم. لقد كان النظام يعول كثيرا على سجن برام و براهيم في كسر شوكة ايرا و دفنها إلى الأبد ،لكنه أدرك أخيرا أنها كانت هفوة و غلطة العمر. فلاضعفت ايرا و لا هي رضخت و لا استسلمت لأساليب القمع و الابتزاز التي تهاطلت عليها من كل حدب و صوب.
بأي حق يصف الرجل ايرا بالعنف و عدم السلمية في النضال !؟ ثمان سنوات هي عمر التيار الانعتاقي فهل له ان يعطينا ضحية واحدة لهذا العنف و التعجرف ؟ عن أي عنف يتحدث قد حصل في ابي تلميت غير الذي مارسته قوات الأمن و الدرك في حق شبابنا المؤمن الثابت المعتصم في العراء تتلقفه سياط البرد ليلا و جحيم الشمس نهارا لنصرة قضية عادلة لا خلاف عليها؟ أم أن الحمية و الانتصار لذوي القربى و الجهة هزما فكر التقدمية و الانعتاق التي كنا يوما في ايرا نحسبه مخزنهما !؟

ألم يكن الأولى له ثم أولى الحديث عن العنف البين في الاتجاه الآخر الذي تتسلط به الإقطاعية و نظامها على مواطنين مسالمين مارسوا حقا بسيطا و وحيدا من حقوقهم المشروعة، ألا وهو حق التظاهر السلمي يلتمسون الرحمة و الإنصاف من الظلم و الحيف. إن العنف الجسدي و المعنوي الذي يمارسه نظام البيظان أو بيظان النظام أصبح جزء من يوميات الانعتاقيين فلم يسلم الصغير و لا الهرم و لا المرأة و لا الرجل أما الرئيس برام و أسرته حفظهما الله فحدث ولا حرج.

إن النظام بعهره و زوره و فبركته وقف عاجزا عن جر الحركة إلى العنف، فلم يترك سبيلا إلا سلكه و لا مكيدة من مكائد الإنس والجن إلا أحاكها و دبر لها حتى أصيب بالإحباط فأصبح في حيرة من أمره. ثم إن العالم قد قال قولته التي لا رجعة فيها، فزكى الحركة و وصفها بأحسن الأوصاف و أصبحت محل إهتمام مختلف المجاميع العلمية و الفكرية والحقوقية و الإعلامية في كل أنحاء العالم بثقافاتها و اديانها المختلفة.

ألم يكن حري لقلم محمد فال أن يكتب عن معاناتنا و معاناة صديقي الأمس الذين يعلم و نعلم و يعلم الجميع ببراءتهما وقلة حيلتهما!؟ ألم يكن النظام الذي يتحدث عنه على إستحياء حتى لا أقول بغزل هو من أرادها حربا على الحركة في مهدها و جند لذلك جيشا من المرتزقة و السفهاء، و صرف ملايين الدولارات فيما بات يعرف ب « الحملة الكبرى للقضاء على آفة ايرا  » عجز أمن النظام عن اختراقها و تفكيكها من الداخل فنقل المعركة إلى الخارج وفي هذه ايضا قد حصد الخيبة و الفشل.

لم تكن حلقات ولد مكت و غلمانه للتذاكر في دين الله و محبة المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام وإنما كانت لتدبر أقوال و أفعال برام لاصطياده و الوقيعة به و بكل ثمن، و إظهاره للعالم بصورة مشوهة غير التي ألفها عنه و هو الشغل الشاغل لولد عبد العزيز ولن يرضى بأقل من ذلك لأن السجن وحده لا يكفي و لا يشفي غليله.
عن أي ود او صحبة لبيرام يتحدث الرجل وهو من تبرأ منه يوما في محرقة الرياض و لم ينتصر له حينها بل كان عليه ظهيرا. حينها انكشف الضباب و سقطت الأقنعة، حينها جمد العضوية ولم تآخذه الحركة و لا برام ولم نقل يوما في حقه كلمة سوء بل كان الأخ و الرفيق لدى الجميع. برام الذي كثيرا ما كان يصغي إليه و يستكين ويركن لمشوراته و مساعيه التي لم تكن في بعضها حميدة حتى لا اظلمه بالتعميم. كمشورة لقاء الجنرال ولد عبد العزيز سنة2013 والتي كان احد مهندسيها بإمتياز و بذل كل الجهود لإقناع برام للاستجابة تحت يافطة حب الوطن و المصلحة العامة و ان النظام جاد و حريص على أن يتم هذا اللقاء ليتبين لاحقا أنها كانت خدعة و احتيالا. أرادها الجنرال للاستهلاك و التضليل الإعلامي و الخدش لشخص برام في حين أرادها برام قضية وطنية فأخذها على محمل الجد لتسهم في حل كل القضايا الوطنية الكبرى كالقضاء الفعلي على العبودية و مخلفاتها و إنصاف شريحة الحراطين واشراكها في ادارة الشأن العام و إعادة الحقوق كاملة لكل مكونات الشعب الموريتاني و تفعيل أسس الديمقراطية و دولة القانون لحل فتيل الازمة و الانسداد الذي تعيشه البلاد وهي أمور كان الجنرال قد تعهد بالنظر فيها بجد في ذلك للقاء المشؤوم.
أما قوله انه لم يعش يوما من فيء الحركة و علاقاتها و يناضل صفر اليدين! فقديما قيل » اذا فهمت المقاصد فلا عبرة بالألفاظ  » فإن كان مقصده أن قادة ايرا يستغلون المنظمة في جمع المال فهذه تهمة باطلة لسبب بسيط وهو أن الكل يعلم أن الهيئات الحكومية في العالم لا تقدم الدعم المالي للمنظمات الغير مرخص لها في بلدانها الأصلية. اما الهيئات الأخرى الغير حكومية فهي في الغالب حقوقية تعيش على التبرعات لتسيير أمورها كمنظمة العفو الدولية مثلا و المرصد الدولي لحقوق الإنسان و غيرها ، ودعمها يتمحور عادة في تقديم الاستشارات القانونية و الضغط على الحكومات و مساءلتها في القضايا ذات الصلة بحقوق الإنسان.
و إذا عدنا إلى الجوائز التي حصلت عليها حركة ايرا ستتضح الأمور أكثر؛ فأهم جائزة حصلت عليها هي تلك التي منحتها أكبر هيئة في العالم هيئة الأمم المتحدة في نيويورك للزعيم الانعتاقي برام ولد الداه ولد أعبيد سنة 2013 وقد يسخر البعض اذا قلنا إنها ليست نقدية إطلاقا و يمكن التأكد من ذلك على موقع الأمم المتحدة على الشبكة العنكبوتية. أما بخصوص جائزة تيليب الهولندية نهاية السنة الفارطة و التي كثر الحديث عنها فليعلم الجميع أنها مشروطة و مقيدة و الجهة المانحة هي من تتولى الرقابة و اختيار و توجيه المصاريف و ستكون موجهة بالأساس إلى مواكبة الأرقاء المحررين و تكوينهم و حركة ايرا ماهي الا مجرد شريك في الإدارة و هي حتى اللحظة لازالت قيد الدراسة. ثم إنه لو كانت حقا حركة ايرا تدر على أهلها بالذهب و الفضة لما تخلف عنها جزء مهم من شعبنا العظيم الذي يعشق التجارة و الأرباح و لرأينا من دعاة الانعتاق ما تنوء عن حمله الجبال.
لم لا نتساءل ولو قليلا عن سر عزوف تقدميي و نخب و أحزاب البيظان عن تبني قضية الحراطين و الخروج إلى الشارع لنصرتهم كما فعلوا مع غيرهم من الشعوب المسلوبة الحقوق سيما أنهم ما فتؤوا يتشدقون بنبل هذه القضية و عدلها و بذلك يسحبوا البساط من تحت برام و حركة ايرا التي طالما نعتوها و نعتوه بأقبح و أرذل النعوت ؟
نحن في ايرا لم تكن يوما أبوابنا موصدة في وجه من أراد الالتحاق بركب الانعتاق و الفكر المنير مهما كان أصله أو فرعه و الشواهد عديدة لعل محمد فال احدها. من جاءنا فله ما لنا و عليه ما علينا لا فضل و لا تفضيل إلا بالجهد و العمل الصالح.
لسنا ابدا لأماء لدرجة التنكر لمجهودات الرجل الجبارة في كتابة وترجمة الوثائق و المذكرات لكن لن نرضى ابدا الإرتهان و المقايضة على حساب حقوقنا و مبادئنا التي نموت دونها.

السلام عليكم

محمذن ولد الزحاف /قيادي في حركة ايرا