في حلقته الخامسة من سلسلة شاهد يواصل بطل حرب الصحراء العقيد محمد ولد لكحل، حديثه عنها، مستعرضا تفاصيل معركة آوسرد، و إرهاصات نهاية الحكم المدني، بالإنقلاب على الرئيس المختار ولد داداه.. فلندعه يتحدث:
حررنا بتحريرنا لآوسرد، جميع أرض الصحراء، التي كانت تطالب بها موريتانيا.. و هو منطقة واد الذهب، التي كانت الأمم المتحدة قد أقرّت في 1975 أنها أرض موريتانية.
و كانت آوسرد منطقة رعوية، و كان أغلب سكانها من قبائل آدرار، الذين وردوا عليها ينتجعون المرعى، و من آولاد دليم و الركيبات.
لقد حررنا أرضنا.. فأصبح علينا أن نغيّر استراتيجيتا من هجوم لدفاع، وذلك ما اقتضى إعادة تنظيم جيشنا، وتغيير هيكلة وحداته، فأصبح على قيادة الإركان أن تنشئ مجمعات، فكان المجمع رقم 1 في آوسرد، تابعا للرائد جدو ولد السالك رحمه الله.. بعدها تم إنشاء المجمع رقم 2 في الزويرات و كان تابعا للمرحوم المقدم أحمد ولد بوسيف ثم بعدها تم تعيين محمد خونه ولد هيداله قائدا له.. ثم أنشيء المجمع رقم 3 في بير أم أغرين وتولى قيادته المقدم معاوية ولد سيد أحمد الطائع. وهكذا المجمع رقم 4 في نواذيبو، وقد أوكلت قيادته لأحمد ولد عبد الله، أما المجمع الخامس فقد تمت إقامته في الداخلة وتولى قيادته المقدم سيدينا ولد سيديا.
وقد تم بعدها إنشاء قطاعات عسكرية، فكان هنالك قطاع في أطار تولى قيادته العقيد المصطفى ولد الولاتي، وقطاع لحماية السكة الحديدية وقد توليت قيادته حينها و أنا برتبة ملازم، في الفترة ما بين 1978- 1979 و كانت تتبع لي ست كتائب عسكرية، وكان مقر قيادتي في نواذيبو.
كانت وحدتان من الوحدات العسكرية التابعة لي ترابط دائما داخل القطار، وهناك فرق متنقلة مهمتها الإسراع بالتدخل لنجدة السكة الحديدية إن هي احتاجت لذلك.. وتقع هذه الوحدات في التميميشات و شوم و بلنوار.
و كان أصعب المشاكل التي تواجهني في حماية السكة الحديدية البالغ طولها 2 كلم على طول المسافة البالغة 650 كلم والتي يجب علي أن أحمي القطار في كل شبر منها.. و كان ذلك يتطلب مني نظاما دقيقا و اتصالا متواصلا.
بعد أن أنشأنا هذه القطاعات، واستولينا على هذه المراكز، لم يعد أمام جبهة البوليساريو سوى أن تعمد لحرب العصابات.
وقد تم استهداف السكة الحديدية ثلاث مرات، و هو أمر طبيعي، فهي سلسلة متحركة، غير أن النجاح هو في تعطيله نهائيا عن الحركة، و ما كان يقوم به البوليساريو أشبه بمن يختبئ في زاوية ليضرب هدفا عن بُعد ثم يطلق رجليه للريح، دون أن ينال منه.
كان تدهو معنويات العسكرين من أسباب الانقلاب على الرئيس المختار ولد داداه، إضافة للدوافع السياسية، التي سأتحدث عنها فيما بعد. فقد دخل العسكر في حرب الصحراء وعدد أفراده لا يتجاوزون ثلاثة آلاف عسكري، ثم تمت فيما بعد زيادة العدد إلى أن أصبح خمسة آلاف عسكري.. أما التسليح فقد كان بسيطا، حيث لم نكن نتوفر إلا على مدافع جماعية بسيطة و أخرى من نوع MAS-36 و MAS 49/56 وهي مدافع فرنسية الصنع.
و في الحقيقة لم تحظ موريتانيا بدعم كالذي حصلت عليه من السعودية، التي منحتها شيكا على بياض، لتقتني من السلاح و العتاد ما تشاء، غير أن خلبطة حصلت بين قيادة الأركان و السفير الموريتاني في اسبانيا حينها الكولونيل ولد بونه مختار، و أخيه الذي يدير الآن مصرفا خاصا، فاشتروا من اسبانيا سلاحا رديئا وسيارات مهترئة.. و المشكلة أن الخيانة صدرت من قيادة الأركان التي كان يقودها امبارك ولد بونه مختار.. وهذا كل شيء.!
لقد دخلت الصفقة في بلبلة و رشاوي و فوضى، و أمور غير واضحة.
و كانت هذه الصفقة أحدى الأسباب التي أدت للانقلاب على ولد داداه.
ومن جملة الأسباب أيضا أن الوقود و المحروقات كان بحوزة شركة سنيم التي كان تزود منه الوحدات، بما تحتاجه منها، و فجأة إذا بمديرها حينذاك اسماعيل ولد عمر يرفض دون سابق إنذار الاستمرار في تزويد الجيش من الوقود. وقد كان على الدولة أن ترغمه على ذلك، حيث أنه لا يمكن تصور جيش يحارب دون أن يتوفر على الوقود، و لكنها فلم تفعل، مما سبّب انهيارا كبيرا في معنويات الجيش الموريتاني.
إضف إلى ذلك أن المعركة المعاكسة التي تمت في آوسرد، واستمرت تسعة أيام، قد نفدت خلالها ذخيرة الجيش، فطلبنا من الطيران العسكري تزويدنا بها، غير أنه تلكأ عن ذلك، محتجا باحتدام وغى الحرب في آوسرد، مما قد يعرضه للخطر، ولم يكن من بد لأن نلجأُ لملاحيين مدنيين في طائرات مدنية ليجلبوا لنا الذخيرة والعتاد وهما طيار يدعى الفيلالي و آخر يدعى الحاج.
لقد كانت الدولة من الضعف بحيث لم تعاقب الطيران العسكري على ذلك.
و كانت الحرب أيضا تسمى حرب الفقراء، فلم يقاتل فيها غير ضابط فقير، أما الضباط الميسورون فكلهم جلب معه سبحة من الشهادات الطبية، تفيد أنه ليس قادرا على القتال، ثم قعد عن وطيس الحرب.
باختصار، ليس هناك ضابط سام قاتل خلال حرب الصحراء.. كلهم بحثوا عما لا يمكن تخيله من الأعذار و الحجج ليتأخروا عن اصطلاء لظى الحرب. هذا باستثناء هيدالة و ولد الطائع وسويدات الذي استشهد في عين بنتيلي و جدو و ولد بوسيف، و آخرين.
محمد ولد أحمد العاقل
تسجيل صوتي بشهادة العقيد ولد لكحل:
مقالات ذات صلة:حرب الصحراء, محمد ولد لكحل, موريتانيا