تتوفر موريتانيا على إمكانيات زراعية هائلة، وقدرات تنموية معتبرة، حسب ما أكده آخر تقرير يعده البنك الدولي عن حالة البلد الاقتصادية.وتتصدر الزراعة المروية إمكانات هذا القطاع حيث تمتد على طول الضفة الشمالية لنهر السنغال.
وتتوفر موريتانيا على 140 ألف هكتار قابل للاستصلاح غير أن المزروع من هذه المساحة الهائلة لا يتجاوز 30 في المئة مستغلة كلها لزراعة الأرز بينما تغطي النباتات المساحة الباقية.وتعمل منظمة «استثمار نهر السنغال» المشتركة بين موريتانيا ومالي والسنغال وغينيا منذ تأسيسها عام 1972 لتحسين العائدات الزراعية وتأمين الغذاء للسكان المحليين مع المحافظة على الوسط البيئي والطبيعي.وتغطي نشاطات هذه المنظمة منطقة واسعة جذبت مؤخرا عديد المستثمرين الإقليميين والدوليين الذين بدأوا إنجاز مشاريع متعددة بينها النقل النهري وتوليد الطاقة الكهربائية.وتغطي المراعي حاليا 40 في المئة من الأراضي المعشبة بينما لا تغطي الأشجار سوى مساحة محدودة جدا.وتمارس الزراعة في موريتانيا وفقا لنموذج الإنتاج الأسري الهادف لتأمين المعاش اليومي.وتتصدر التمور والدخن والفاصولياء والذرة قائمة المنتجات الزراعية بينما تشمل التنمية الحيوانية الإبل والأبقار والأغنام والدواجن.ويعتمد السكان في الأساس على تنمية المواشي وخاصة المجموعات التقليدية.ورغم ذلك فإن الإنتاج الزراعي والرعوي لا يغطي الضرورات الغذائية المحلية حيث تستورد موريتانيا 70 في المئة من حاجاتها الغذائية من الخارج.وبينما ينتج القطاع الحيواني فائضا قابلا للتصدير فإن القطاع الزراعي لا يكفي للاستجابة للطلب المحلي كما أنه يتأثر بالتقلبات المناخية الخارجية وانعكاسها على الأسعار وعلى وفرة المعروض.وحسب آخر إحصائية دولية فإن موريتانيا تتوفر على مساحة قابلة للزراعة مقدرة بـ 500 ألف هكتار.ويخصص جزء كبير من هذه المساحة للزراعة المطرية التي تتفاوت سعة المستغل منها حسب التساقطات المطرية في كل منطقة. وتعتبر موريتانيا من البلدان المتأثرة بالجفاف الذي يهدد 70 في المئة من أراضيها حسب آخر دراسة لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة «فاو».ويوظف قطاعا الزراعة والتنمية الحيوانية مجتمعين ثلثي اليد العاملة المحلية وبالرغم من ذلك فإن ريع هذين القطاعين لا يمثل سوى 16 في المئة من الناتج المحلي الخام، ويعد لضعف مستوى الإنتاج وللنواقص البنيوية.وتعد موريتانيا البلد القاحل الساحلي من البلدان الهشة المعرضة لتأثيرات المناخ وهو ما يهدد أمنها الغذائي ويدفع بأسعار الحبوب نحو الارتفاع.وتضع الحكومة الزراعة في مقدمة أولوياتها كما يتضح عبر مراجعة لمختلف البرامج الاستراتيجية الحكومية الموجهة لمكافحة الفقر، وكما يتضح من خلال المشاريع الزراعية المدعومة من شركاء موريتانيا.ويقدم البنك الدولي دعما هاما لبرنامج دعم الزراعة المروية في المناطق المحاذية لنهر السنغال وهو البرنامج الذي يستهدف استعادة واستغلال أكثر من 11 ألف هكتار من الأراضي مع تنويع الإنتاج الزراعي فيها. ويؤكد كاندي كا سيلي وزير الزراعة السابق في دراسة أخيرة له «أنه يجب على إستراتيجية تطوير القطاع الزراعي الرعوي أن تأخذ في الحسبان التحديات التي يتعين على الاقتصاد مواجهتها وفي مقدمتها التغيرات الديمغرافية الهيكلية وتطور الحاجيات في مجال خدمات الدعم المناسبة في مجالات الزراعة والصحة والتعليم والتكوين وظهور النفط الذي يمكن أن تساهم عائداته إيجابيا في الاستثمارات في المنطقة الريفية وفي تخفيف الفقر، لكنها قد تؤدي إلى تهميش متزايد لجزء هام من سكان المناطق الريفية لفائدة القطاعات الحضرية العصرية والعناصر الأكثر حيوية من بين السكان».ويضيف الباحث «.. إن نمو القطاع الزراعي الرعوي يظل أساسيا من أجل الإسهام في النمو الاقتصادي، وتثبيت السكان في المنطقة الريفية وتحسين ظروف معاشهم وخاصة زيادة مداخيلهم، مع تحسين الأمن الغذائي عبر زيادة وتنويع عرض المنتجات والإسهام في تخفيض الواردات وزيادة دخل المنتجين، كما أنه يعتبر ضروريا لتخفيف الفقر وخاصة في صفوف النساء ولصيانة التراث الطبيعي من منظور التنمية المستديمة التي تأخذ في الحسبان ندرة الموارد».ويرى «أن قدرة القطاع الزراعي الرعوي على القيام بتلك الأدوار المختلفة منخفضة جدا الآن رغم الجهود الهامة للحكومة وشركائها للاستثمار في هذا القطاع، فلا تزال البلاد خاضعة كثيرا للواردات بالنسبة لأمنها الغذائي، كما أن مستوى الإنتاجية ضعيف في جميع فروع الإنتاج، شأنه في ذلك شأن تنظيم المنتجين وقدرة القطاع على إعادة التوزيع».«ويعتبر تدهور الوسط البيئي، الذي يشكل القطاع الزراعي الرعوي في الوقت نفسه سببا وضحية له علة ضعف الإنتاج، كما أنه يزيد من قلة السكان والفقر في الوسط الريفي». ويرى «أن الظروف الصعبة للمعاش والعمل والأخطار المناخية وضعف وسائل الاستغلال والمنشآت تسبب هجرا متزايدا للنشاط الزراعي في جميع قطاعات الإنتاج بما فيها الزراعة المروية».وبخصوص العوائق المعترضة يقول سيلي «إن العناصر المعوقة تكاد تكون متشابهة دائما فمن بينها نقص المدخلات أو رداءة نوعيتها وندرة ورداءة نوعية المنشآت ووسائل الإنتاج المناسبة وضعف تنويع الزراعة وتثمين المنتجات وغياب صيانة البنى التحتية ونقص الوسائل المالية وضعف تنظيم المنتجين وغياب أو عدم ملاءمة التكوينات الفنية».ويؤكد الباحث الزراعي وأستاذ الاقتصاد في جامعة نواكشوط محمد أحيد، في دراسة له بعنوان «القطاع الزراعي في موريتانيا: الواقع والآفاق» «أن موريتانيا تتمتع بموارد طبيعية هائلة إلا هناك معوقات تحول دون تمكن البلد من استغلال قدراته الزراعية».ومن أعظم هذه العوائق حسب أحيد، مشكلة الملكية العقارية الذي يعتبر عائقا أساسيا أمام امتلاك المزارعين للأراضي التي يزرعونها مما يجعل غالبيتهم في موقع الأجير وهو ما يحبط من عزائمهم ويتجاهل المبدأ القائل بأن «الأرض لمن أحياها».ويرى المهندس الزراعي المهابه ولد بلاّل «أن المواطن الموريتاني العادي لا يولي كثير اهتمام لمنتجات بلاده الزراعية، فقد قلبت العولمة الموازين وغيبت الأولويات».ويضيف «من المفارقات المفجعة أن تجد بلدة صغيرة تنتصب في سمائها هوائيات الاتصال بعشرات الملايين وغير بعيد منها مخبزة مندثرة متوقف نشاطها بسبب نقص الطحين».وتعتبر قدرة موريتانيا على تسيير ثروتها المتجددة وزيادة إنتاج قطاعها الأساسي وقدرتها على وضع سياسات موجهة لتوسيع قاعدة الإنتاج في قطاعات الزراعة وتنمية المواشي والصيد، حاسمة للغاية في التمكن من تحقيق أهداف التنمية على المستويين الاجتماعي والاقتصادي
عبد الله مولود – القدس العربي